البدوي

مشاريعٌ سكنيّةٌ ومبادراتٌ محليّةٌ في البدوي، حدّت من الإستثمار العقاريّ وعمليات البناء، وضبطت أسعار الإيجارات. فأمّنت السكن الميسّر والمتنوّع خلال قرنٍ من الزمن. تصوغ هذه الخصوصيّة - المهدّدة اليوم - توصياتٍ عمليّةً لسياساتٍ سكنيّةٍ عادلةٍ على مستوى المدينة.

يقع حي البدوي على حدود بيروت الإدارية من جهة الشرق، فهو آخر حيّ ضمن المنطقة العقارية التابعة للأشرفية حيث يشكّل نهر بيروت فاصلاً بينه وبين المنطقة التابعة لبلدية برج حمود. تُعرف تاريخياً منطقة البدوي على أنها المنطقة حول شارع خليل البدوي الممتد بموازاة نهر بيروت من تلال كرم الزيتون حتى شارع أرمينيا. قبل إنشاء شارع خليل البدوي، كانت المنطقة عبارة عن تلال حرجية وزراعية تمتد من خط سكة الحديد شرقاً نحو نهر بيروت. .

في العام 1922، وصل إلى بيروت ما يقارب عشرة آلاف أرمني هرباً من المجازر في منطقة كيليكيا. في وقتها، اتخذت منظمات الصليب الأحمر وسلطات الانتداب الفرنسي إجراءات من أجل إقامة آلاف الخيم على أرض فارغة في الشمال الشرقي من بيروت، تحديداً في مخزن التوامواي والأراضي الفارغة المحيطة به في منطقة المدوّر.

تشكّل مع قدومهم أولى الأحياء غير الرسمية في بيروت وبذلك إنشاء مخيم المدوّر في الكرنتينا . ابتداءً من العام 1926، وبمبادرة من جمعيات أرمنية وبمساعدة من سلطات الانتداب، تم اقتراح حلول دائمة لسكن اللاجئين الأرمن خارج المخيمات، وبالتالي تم نقلهم تدريجياً إلى مناطق مجاورة خارج منطقة الكرنتينا، مثل برج حمود وكرم الزيتون ومخيم هاجين وشارع خليل البدوي .

وثمة عاملان أساسيان جعلا من عمليات الخروج من المخيمات المؤقتة والاستقرار في مناطق مجاورة ممكنناً؛ أولاً المساعدات من المنظمات الدولية، وثانياً التواجد الأرمني في منطقة بلاد الشام قبل العام 1915. على سبيل المثال، في العام 1910 كان قد تم إنشاء فرعاً للـ AGBU في لبنان – وهي أكبر جمعية أرمنية في العالم تاريخ تأسيسها 1906 – والتي لعبت دوراً إجتماعياً وسياسياً مهماً عند قدوم اللاجئين . أولى العائلات التي تركت الكرنتينا (بسبب المالاريا) ذهبت في العام 1927 بشكل غير رسمي الى حرج كرم الزيتون حيث تم إنشاء لاحقاً مشروعاً سكنياً للاجئين الأرمن من قبل السطات الفرنسية بمساعدة مالية من السلطات المحلية . في العام 1930 (في خضم الأزمة الإقتصادية العالمية) أخذت الحكومة الفرنسية قراراً بنقل جميع اللاجئين الأرمن من الكرنتينا باتجاه تلال الأشرفية وضفاف نهر بيروت.

منطقة البدوي – بحسب الحدود الجغرافية التي اخترنا إجراء الدراسة فيها – هي إحدى المناطق المجاورة للنهر التي انتقل إليها اللاجئين الأرمن. كانت في عهد الانتداب قريبة من فرص العمل بسبب وجود الثكنة وسكة الحديد والمرفأ وبسبب قربها من وسط بيروت.

وهي تضم ثلاثة أحياء - كامب هاجين، شارع خليل البدوي، كامب الأبيض - لكل حيّ منهم رواية مميّزة عن كيفية البناء والوصول الى السكن في وقتها.

نشأ كامب (مخيم) هاجين كمشروع سكني في العام 1929 للاجئين الأرمن الذين كانوا قد نزحوا من مدينة هاجين (كيليكيا لاحقاً). كان هدف المشروع هو لم شمل الأقارب والأحفاد والأصدقاء الذين عاشوا في مدينة هاجين ولكن تفرقوا في مناطق مختلفة في لبنان، مثال جونية وغيرها. تم تأسيس جمعية بإسم "إتحاد رفاق هاجين" وهي التي قامت بتجميع بعض الأموال من الأثرياء الأرمن من أجل شراء قطعة أرض حيث يقع كامب هاجين اليوم .

أما شارع خليل البدوي، فقد تأسس في حوالي العام 1930 وسُمي على إسم مالك الأراضي في الموقع. يروي سكان الحيّ أن عائلة البدوي اشترت هذه الأراضي في العام 1914 مقابل ثلاثة أكياس من البن . في العام 1930 وهب خليل البدوي أرضاً للأرمن ليبنوا عليها مدرسة وكنيسة حيث يتواجد قبره حتى اليوم. بالنسبة لكبار السن في الحيّ، كان هدف هذه الخطوة من خليل البدوي هو تشجيع الأرمن على البناء والسكن في أراضي البدوي، مما سيوّلد ربحاً مالياً له. وبالفعل، قامت الجمعيات الأرمنية بشراء الأراضي منه وتسهيل عملية البناء على اللاجئين الأرمن.

وفيما يخص حيّ كامب الأبيض، كان الموقع عبارة عن عقار كبير خالي. في العام 1927 قامت هيئة League of Nations Nansen Office for Refugees بالتعاون مع سلطات الإنتداب الفرنسية بإقامة برنامجاً سكنياً لبناء ما سُمي في وقتها Pavillion Blanc وما أصبح معروفاً لاحقاً بالكامب الأبيض. كان نموذجا للتدخل المباشر حيث قامت الهيئة بشراء الأرض وبتخطيط شبكة الطرقات وتقسيم الأراضي، وقامت ببناء المنازل . يبدو هذا المشروع واضحاً في الخرائط الفرنسية للعام 1935 حيث تم تدوين جملة "حيّ أرمني" على موقع كامب الأبيض. كانت المباني أساساً مكوّنة من طابق أرضي وطابق أول. في هذه الطوابق سكن الأرمن من خلال أوراق ملكية رسمية. تدريجياً، قام المالكون الأرمن ببناء طوابق إضافية لتأجيرها أو بيعها، لتؤمن لهم مردوداً مالياً. وخلال الحرب الأهلية أيضاً تم إضافة طوابق بشكل غير رسمي ودون رخص بناء، مما تم تسويته لاحقاً عند انتهاء الحرب.

كامب هاجين

جانيت‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬سكّان‭ ‬‮«‬كامب‭ ‬هاجين‮»‬‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬البدوي‭. ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬بُعد‭ ‬خطواتٍ‭ ‬من‭ ‬‮«‬كنيسة‭ ‬جورجيوس‭ ‬للأرمن‭ ‬الأرثوذوكس‮» ‬‭. ‬ بيتها‭ ‬صغيرٌ‭ ‬جدّاً،‭ ‬مساحته‭ ‬خمسةٌ‭ ‬وخمسون‭ ‬متراً‭ ‬مربّعاً،‭ ‬فيه‭ ‬صالون‭ ‬وغرفة‭ ‬نوم‭ ‬ومطبخ‭ ‬وحمّام‭. ‬تسكن‭ ‬جانيت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البيت‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬2000‭ ‬مع‭ ‬زوجها،‭ ‬لكنه‭ ‬توفي‭ ‬منذ‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭. ‬إبنتها‭ ‬تعيش‭ ‬معها،‭ ‬وهي‭ ‬بدورها‭ ‬أمٌّ‭ ‬لولدين‭. ‬تعمل‭ ‬جانيت‭ ‬خيّاطةً،‭ ‬ولا‭ ‬تجني‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المال،‭ ‬إذ‭ ‬تتقاضى‭ ‬ألفي‭ ‬ليرةٍ‭ ‬لبنانيّةٍ‭ ‬مثلاً‭ ‬لتقصير‭ ‬السروال‭. ‬ملكيّة‭ ‬البيت‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الوقف‭ ‬الأرمنيّ‭. ‬الكنيسة‭ ‬تؤجّرها‭ ‬شقّتها‭ ‬بإيجارٍ‭ ‬ثابتٍ‭ ‬قدره‭ ‬مئتا‭ ‬دولار‭. ‬لم‭ ‬يتغيّر‭ ‬الإيجار‭ ‬منذ‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬منذ‭ ‬17‭ ‬عاماً‭.‬

سابقاً،‭ ‬سكنت‭ ‬جانيت‭ ‬وعائلتها‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬مار‭ ‬مخايل‭ ‬بالإيجار‭ ‬القديم‭. ‬ولكن،‭ ‬بالإتفاق‭ ‬مع‭ ‬المالك‭ ‬نفّذ‭ ‬أخاها‭ ‬الإخلاء‭ ‬مقابل‭ ‬تعويضٍ‭ ‬لم‭ ‬يعطها‭ ‬منه‭ ‬شيئاً‭. ‬تقول‭ ‬أنه‭ ‬سلبها‭ ‬حقّها‭. ‬أصل‭ ‬عائلتها‭ ‬من‭ ‬تركيا،‭ ‬لكن‭ ‬جانيت‭ ‬وُلدت‭ ‬هنا‭ ‬بعد‭ ‬الهجرة‭ ‬الأرمنيّة‭ ‬وقدومهم‭ ‬إلى‭ ‬لبنان،‭ ‬سكنوا‭ ‬بدايةً‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المصيطبة‭ ‬ثم‭ ‬إنتقلوا‭ ‬إلى‭ ‬مار‭ ‬مخايل‭ ‬لقربها‭ ‬من‭ ‬مدارسهم‭ ‬في‭ ‬برج‭ ‬حمّود‭.‬

نشأ‭ ‬‮«‬كامب‭ ‬هاجين‮»‬‭ ‬كمشروعٍ‭ ‬سكنيٍّ‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1929،‭ ‬خصّص‭ ‬للّاجئين‭ ‬الأرمن‭ ‬الذين‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬بيروت‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1922‭ ‬هرباً‭ ‬من‭ ‬المجازر‭ ‬في‭ ‬مدينة ‬هاجين ‬(كيليكيا لاحقاً). ). ‬كان‭ ‬هدف‭ ‬المشروع‭ ‬هو‭ ‬شمل‭ ‬الأقارب‭ ‬والأحفاد‭ ‬والأصدقاء‭ ‬الذين‭ ‬عاشوا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬هاجين‭ ‬ولكن‭ ‬تفرقوا‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬مثل‭ ‬جونية‭ ‬وغيرها. تم‭ ‬تأسيس‭ ‬جمعية‭ ‬بإسم‭ ‬‮«‬إتحاد‭ ‬رفاق‭ ‬هاجين‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بتجميع‭ ‬بعض‭ ‬الأموال‭ ‬من‭ ‬الأثرياء‭ ‬الأرمن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬شراء‭ ‬قطعة‭ ‬أرض‭ ‬حيث‭ ‬يقع‭ ‬كامب‭ ‬هاجين‭ ‬اليوم‭.‬ ‬

‬إبتداءً‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1926،‭ ‬وبمبادرةٍ‭ ‬من‭ ‬جمعيّاتٍ‭ ‬أرمنيّةٍ‭ ‬وبمساعدةٍ‭ ‬من‭ ‬الإنتداب،‭ ‬تمّ‭ ‬إقتراح‭ ‬حلولٍ‭ ‬دائمةٍ‭ ‬لسكن‭ ‬اللّاجئين‭ ‬الأرمن‭ ‬خارج‭ ‬المخيّمات،‭ ‬فتمّ‭ ‬نقلهم‭ ‬تدريجيّاً‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬مجاورة‭ ‬للكرنتينا،‭ ‬مثل‭ ‬برج‭ ‬حمّود‭ ‬وكرم‭ ‬الزيتون‭ ‬و‮«‬مخيم‭ ‬هاجين‮»‬‭ ‬وشارع‭ ‬خليل‭ ‬البدوي‭ ‬وكامب‭ ‬الأبيض‭ .‬

تكوّن‭ ‬حيّ‭ ‬كامب‭ ‬هاجين‭ ‬تاريخياً‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقارات‭ ‬كبيرة‭ ‬بمساحة‭ ‬إجمالية‭ ‬25‭ ‬ألف‭ ‬متر‭ ‬مربع‭. ‬قامت‭ ‬الجمعية‭ ‬بضم‭ ‬الأراضي‭ ‬وإعادة‭ ‬فرزها‭ ‬الى‭ ‬قطع‭ ‬صغيرة‭ ‬بمساحات‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬64‭ ‬و115‭ ‬متر‭ ‬مربع‭. ‬قام‭ ‬المعماري‭ ‬الأرمني‭ ‬شيرينيان‭ ‬برسم‭ ‬الخريطة‭ ‬الشاملة‭ ‬للحيّ‭ ‬وتصميم‭ ‬المباني‭. ‬بسبب‭ ‬ضيق‭ ‬المساحة،‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تصميم‭ ‬دار‭ ‬مفتوحة‭ ‬بين‭ ‬البيوت‭ ‬كما‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬برج‭ ‬حمود‭. ‬كما‭ ‬خلقوا‭ ‬سوقاً‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬العام،‭ ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬محلات‭ ‬وحرف‭ ‬داخل‭ ‬الحيّ،‭ ‬وثلاثة‭ ‬مدارس‭ ‬وكنيسة‭. ‬كان‭ ‬النظام‭ ‬الأساسي‭ ‬للمشروع‭ ‬يمنع‭ ‬أي‭ ‬عمليات‭ ‬هدم‭ ‬في‭ ‬الحيّ‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭. ‬تكوّن‭ ‬الحيّ‭ ‬منذ‭ ‬بدأه‭ ‬من‭ ‬192‭ ‬مبنى‭ (‬كل‭ ‬منها‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬الطابقين‭) ‬لسكن‭ ‬400‭ ‬عائلة‭. ‬في‭ ‬العام‭ ‬1958‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬فتح‭ ‬أوتستراد‭ ‬شارل‭ ‬حلو،‭ ‬تم‭ ‬إستملاك‭ ‬وهدم‭ ‬الجزء‭ ‬الشمالي‭ ‬من‭ ‬الحيّ،‭ ‬لتصبح‭ ‬مساحته‭ ‬18‭ ‬ألف‭ ‬متراً‭ ‬مربعاً‭. ‬

(احتمال: خريطة شيرينيان)

لعقودٍ،‭ ‬سمح‭ ‬‮«‬كامب‭ ‬هاجين‮»‬‭ ‬بترتيباتٍ‭ ‬سكنيّةٍ‭ ‬تتيح‭ ‬سكن‭ ‬شرائح‭ ‬إجتماعيّة‭ ‬محدودة‭ ‬الدخل‭. ‬فقد‭ ‬إنتقل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مالكي‭ ‬الشقق‭ ‬الصغيرة‭ ‬للسكن‭ ‬خارج‭ ‬‮«‬الكامب‮»‬‭ ‬وأجّروها،‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬منع‭ ‬الهدم‭. ‬اليوم،‭ ‬حوالي‭ ‬نصف‭ ‬سكان‭ ‬‮«‬الكامب‮»‬‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬المستأجرين‭ ‬الجدد‭ ‬والعمّال‭ ‬الأجانب،‭ ‬يسكن‭ ‬معظمهم‭ ‬المباني‭ ‬المتألّفة‭ ‬من‭ ‬طابقين‭. ‬ولكنّ،‭ ‬لقلّة‭ ‬المساكن‭ ‬المشابِهةٍ‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬ومع‭ ‬تفاقم‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬سكنٍ‭ ‬رخيصٍ،‭ ‬وجد‭ ‬مستثمرون‭ ‬صغارٌ‭ ‬سوقاً‭ ‬حيويّاً‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬وحداتٍ‭ ‬سكنيّةٍ‭ ‬للإيجار‭. ‬فأصبح‭ ‬رائجاً‭ ‬تحويل‭ ‬الشقق‭ ‬أو‭ ‬الأبنية‭ ‬إلى‭ ‬إمّا‭ ‬‮«‬فويّهات‮»‬‭ ‬أو‭ ‬غرفٍ‭ ‬تؤجّر‭ ‬منفردةً‭ ‬ضمن‭ ‬الشقّة،‭ ‬بهدف‭ ‬مضاعفة‭ ‬الأرباح‭. ‬إلاّ‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬ينتج‭ ‬أوضاعاً‭ ‬سكنيّةً‭ ‬غير‭ ‬لائقةٍ،‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬غياب‭ ‬الضوابط‭ ‬والسياسة‭ ‬السكنيّة‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬‮«‬الكامب‮»‬‭ ‬أنواع‭ ‬ملكيّةٍ‭ ‬ساهمت‭ ‬بتأمين‭ ‬السكن‭ ‬الميسَّر‭ ‬واللائق‭ ‬للسكّان‭ ‬القدامى‭ ‬والجدد‭. ‬ هنالك‭ ‬بعض‭ ‬العقارات‭ ‬التي‭ ‬غاب‭ ‬عنها‭ ‬مالكيها‭ ‬إما‭ ‬لأنهم‭ ‬مغتربين‭ ‬أو‭ ‬مجهولين‭ ‬لسكان‭ ‬الحي‭. ‬ويلحظ‭ ‬في‭ ‬الإفادات‭ ‬العقارية‭ ‬مالكون‭ ‬مسلمون‭ ‬ومسيحيون‭ ‬اشتروا‭ ‬من‭ ‬عائلات‭ ‬أرمنية‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الخمسينات‭. ‬هذه‭ ‬العقارات‭ ‬إمّا‭ ‬مهجورة،‭ ‬أو‭ ‬يسكنها‭ ‬مستأجرون‭ ‬قدامى‭ ‬غير‭ ‬قلقين‭ ‬على‭ ‬مستقبلهم‭ ‬السكني،‭ ‬أو‭ ‬يشغلها‭ ‬سكان‭ ‬جدد‭.‬

هنالك‭ ‬أيضاً‭ ‬نوعان‭ ‬آخران‭ ‬من‭ ‬الملكية‭ ‬في‭ ‬كامب‭ ‬هاجين‭ ‬الذين‭ ‬يؤمنا‭ ‬السكن‭ ‬الميسّر‭: ‬ملك‭ ‬الوقف‭ ‬وملك‭ ‬‮«‬جمعية‭ ‬المرسلين‭ ‬الأرمن‭ ‬في‭ ‬أميركا‮»‬‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬‮١٩٥١‬‭. ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬الأولى،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الكنيسة‭ ‬تعتمد‭ ‬سياسة‭ ‬تأجير‭ ‬الشقق‭ ‬بأسعار‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬سعر‭ ‬السوق‭. ‬أمّا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الجمعية،‭ ‬فمعظم‭ ‬الأبنية‭ ‬التي‭ ‬تملكها‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬شارع‭ ‬أرمينيا‭ ‬الرئيسي،‭ ‬ويسكنها‭ ‬مستأجرين‭ ‬قدامى‭. ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الأبنية‭ ‬تحتوي‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬شقق‭ ‬شاغرة‭ ‬ومدرسة‭ ‬مهجورة،‭ ‬إذ‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الجمعية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تمارس‭ ‬دورها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬الحي‭.‬

«كامب‭ ‬هاجين‮»‬‭ ‬ليس‭ ‬حالةً‭ ‬فرديّةً‭ ‬في‭ ‬البدوي،‭ ‬إذ‭ ‬يحضر‭ ‬تاريخيّاً‭ ‬عددٌ‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬السكنيّة‭ ‬لإيواء‭ ‬اللّاجئين‭ ‬الأرمن،‭ ‬وباتت‭ ‬هذه‭ ‬الترتيبات‭ ‬عبر‭ ‬السنوات‭ ‬ضماناً‭ ‬للسكن‭ ‬المستدام‭ ‬في‭ ‬الحيّ‭.‬

‬إلا أن هنالك‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬التغيرات‭ ‬المفاجئة‭ ‬والاستثمارات‭ ‬العقارية‭ ‬التي‭ ‬تحصل‭ ‬في‭ ‬الكامب‭ ‬مؤخراً‭. ‬فهنالك‭ ‬مستثمرون‭ ‬يقومون‭ ‬بشراء‭ ‬عقارات‭ ‬بطريقة‭ ‬ممنهجة‭. ‬فيقوم‭ ‬الأخوين‭ ‬آرا‭ ‬ومهير‭ ‬ديكاسيان،‭ ‬مالكي‭ ‬مشغل‭ ‬مجوهرات‭ ‬‮«‬ديكاسيان‮»‬‭ ‬في‭ ‬الكامب‭ ‬بشراء‭ ‬العقارات‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬‮١٩٩٥‬،‭ ‬ليصل‭ ‬عدد‭ ‬العقارات‭ ‬الإجمالي‭ ‬الى‭ ‬ثمان‭ ‬عقارات‭ ‬في‭ ‬‮٢٠١٥‬‭. ‬يقوم‭ ‬الأخوين‭ ‬أيضاً‭ ‬بمشروع‭ ‬عقاري‭ ‬على‭ ‬عقار‭ ‬اشتروه‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠١١‬،‭ ‬حيث‭ ‬يبدو‭ ‬انه‭ ‬يتم‭ ‬تحويل‭ ‬المبنى‭ ‬الى‭ ‬مطعم‭. ‬يقع‭ ‬هذا‭ ‬العقار‭ ‬على‭ ‬شارع‭ ‬أرمينيا‭ ‬الرئيسي‭ - ‬والذي‭ ‬يشكّل‭ ‬امتداد‭ ‬لشارع‭ ‬مار‭ ‬مخايل،‭ ‬حيث‭ ‬تحويل‭ ‬الشقق‭ ‬السكنية‭ ‬والمحلات‭ ‬التجارية‭ ‬المتنوعة‭ ‬الى‭ ‬مطاعم‭ ‬وبارات‭ ‬هيمن‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭. ‬

منطقة خليل البدوي

عقار يحتوي على مبنى من ٥ طوابق، في كل طابق شقتين، كل الشقق يسكنها مستأجرون قدامى. في الطابق الأول يوجد ثلاثة أبواب لثلاثة منازل، أحدها غرفة، مقسومة عن إحدى الشقق، يسكنها إمرأتان مسنتان. المنزلين الآخرين اشتراهما مالك جديد. يبدو أن المبنى تم فرزه وباع أحد الملاكة الشقتين في الطابق الأرضي.

أراد المالك الجديد توسيع بيته، وضم منزل السيدتين. لم تدرك السيدتين في البدء أن منزلهم تم بيعه لمالك جديد وحاولوا دفع الإيجار للمالك القديم منذ عام ٢٠٠٩، لكنه لم يكن يقبل باستلامه. نصحهم سكان الحي بالدفع من خلال ليبان بوست ليحفظوا حقهم وأدركوا لاحقاً أنه لا يحق للمالك الجديد إخلاءهم وفق «الضرورة العائلية»، كونه يملك الشقتين المجاورتين. أعلمهم مؤخرا المحامي بأنهم عليهم إخلاء منزلهم وتسليم مفتاحه قبل أن يحصلوا على تعويض الإخلاء. تحت ضغط الإخلاء وشرط التعويض، السيدتان في حيرة حول كيفية التصرّف، إذ لا يملكون المال لينقلوا أغراضهم أو ليستأجروا منزلاً جديداً.